مشكلة ومعضلة متجددة سنويا وأحيانا شهريا، التعليم العالي وقوائم الاعتراف والاعتماد التي تتغير كأنها دوّار الرياح (أو كما يسمى في لغتنا المحليّة الكَتْوِيل)، فما هو معترف به اليوم من السهل ألا يكون معترف به العام القادم، وأحيانا تكن فترات الاعتراف شهور قليلة
قبل البدء بالأمور، أود أن أوضح كيفية اعتماد البرامج في الجامعات العالمية، لاسيما في التخصصات الطبية، هناك جهات صحية ممثلة بوزارة الصحة و/أو النقابات المهنية كنقابة الصيادلة ونقابة الأطباء وغيرهم من نقابات مهنية تقوم باختبارات محلية وطنية لإصدار رخصة العمل، فمثلا في مجال الصيدلة في بريطانيا، حتى يتمكن خرّيج الصيدلة من العمل كصيدلاني، يجب أن يجتاز اختبار نقابة الصيادلة، مما يجعله مرخّصًا للعمل كصيدلاني في القطاع الحكومي والخاص، لذلك تقوم نقابة الصيادلة في بريطانيا، بتقييم وتحديد المناهج الدراسية في الجامعات، وعندما تقوم الجامعات باستيفاء الشروط اللازمة، يتم اعتماد برامجها أنها برامج معتمدة لتدريس الصيدلة، هذه الآلية مطبقة في كل دول العالم والكثير من المجالات ليس فقط الطبيّة، ولكن هناك دول تعتمد مباشرة على الوزارات عوضا عن الاعتماد على نقابات العمل المهني (الطبي)، فمثلا يقوم قطاع التعليم العالي في دولة ما بالتعاون مع القطاع المهني الهندسي أو الطبي أو أي قطاع معني، لاعتماد البرامج التعليمية المطلوب تعليمها في الدولة، وهذا نراه كذلك في البرامج الهندسية في الكويت، والتي لا يمكن ان تبدأ من دون الموافقة عليها من قبل التعليم العالي الكويتي الذي يقيم برامج الهندسة ويضمن أنها تستوفي الشروط اللازمة لضمان جودة خريجي الهندسة من مختلف الجامعات أن لديهم العلم والمعرفة والمهارات اللازمة للعمل في القطاع الهندسي.
هنا مربط الفرس في قوائم اعتراف التعليم العالي، فمثلا لا أعرف ما هو مبدأ التعليم العالي عندما يقرر ابتعاث طلبة لدولة ما، وينتقي جامعة دون الأخرى على الرغم من أن كل الجامعات معتمدة وموافق على برامجها في دولة الابتعاث، وكأن التعليم العالي يريد أن يوصل رسالة أن “بكيفنا نعتمد وإلا مانعتمد”، فمثلا اطلعتنا الصحف خلال الأسبوع الماضي أن التعليم العالي أضاف إلى قائمة الاعتراف ثلاث جامعات في الإمارات العربية المتحدة: جامعة الخليج الطبية في عجمان، جامعة محمد بن راشد في دبي وجامعة خليفة في أبوظبي، هذا القرار صدر في النصف الأول من أغسطس 2023، وهو يطرح سؤالين
لماذا كانت هذه الجامعات غيرمعتمدة في التعليم العالي في يوليو؟ مالذي تغيّر في تلك الجامعات من حيث جودة التعليم؟(لا شيء)
هذه الجامعات وغيرها هي جامعات تخضع للتقييم والاعتماد في التعليم العالي الإماراتي، وهو نفسه الذي يقيّم ويعتمد برنامج الطب في جامعة الشارقة مثلا، فكيف يحق للتعليم العالي الكويتي أن يلغي تقييم واعتماد التعليم العالي الإماراتي بشأن جامعات الإمارات، ويقوم التعليم العالي بالاعتراف ببعض وانكار البعض الآخر (وقس على ذلك كل الدول الأخرى)
كل ما على التعليم العالي فعله، هو ربط الاعتراف والاعتماد بالاعتماد والاعتراف المحلي في كل دولة، فمثلا في سيناريو الإمارات العربية المتحدة، يقوم التعليم العالي بمعرفة البرامج والجامعات الإماراتية المعتمدة من التعليم العالي الاماراتي، ويتم المصادقة على قائمة الاعتراف الإماراتية، وينطبق ذلك على كل الدول، مع ضمان أن الطلبة الكويتيين يتلقون ذات التعليم الذي يتلقاه كل الطلبة في الجامعات المبتعث لها، أما غير ذلك كما هو مطبق الآن، فالوضع غير صحيح وعشوائي، ولا يمت للواقع بصلة