الطالب الأوروبي والكويتي

الطالب الأوروبي والكويتي

في البداية هذه المدونة ليست فقط للمقارنة مع الطالب الكويتي، ولكن بحكم علمي بالطالب الكويتي والوضع في الكويت، استخدمته كمثال قد يعكس واقع متوسع في الشرق الأوسط

منذ فبراير 2023 ولمدّة ثلاثة أشهر، كنت من ضمن اللجنة الأكاديمية المعنيّة بمقابلة المتقدّمين لدراسة الصيدلة في جامعة برايتون في المملكة المتحدة، بلا شك تعتبر هذه الخطوة من الأمور المهمة والمصيرية لاختيار المتقدّمين، حيث تقوم أغلب الجامعات بخطوة المقابلة وذلك للتأكد من أن صفات ومهارات المتقدّم تتطابق إلى حد كبير مع الصفات والمهارات المطلوب توفّرها في الطالب والتي ستمكّنه من اجتياز الدراسة دون أي مشاكل كبرى

شيئان لاحظتهما من ضمن أهم المقوّمات عند الطالب الأوروبي

أولا: الطالب الأوروبي يعرف أنه يريد أن يدرس صيدلة ويعرف لماذا ويعرف ماهي الصيدلة، حيث لاحظت أن أغلب المتقدّمين الذين قابلتهم عملوا أو يعملون في صيدلية أو مستشفى، وبالتالي وبناء على خبرتهم الميدانية اقتنعوا لدراسة الصيدلة، كانت الأمور واضحة بمفارقات كبيرة، حيث أن الكثير من المتقدّمين طرحوا أنهم عملوا في القطاع الصحي ومرّوا في كل التخصصات الطبية وبالتالي اقتنعوا أن الصيدلة هي خيارهم المناسب، في حين أن الكثير ممن يدرسون الصيدلة من دولنا هم بالأساس ممن لم يستطيعوا الانضمام لكلية الطب أو طب الاسنان، يعتبر هذا فارق كبير، ولعلّه هو السبب الذي يجعلنا نلاحظ أن الغالبية من الأوروبيين هم المتصدرين في دراسة التخصص، وذلك أيضا لأن الطالب اختار التخصص الذي يعرفه ويعلم أنه الأنسب له، في حين لو قارنا الطالب الكويتي نجد أنه يفتقد للكثير من الأمور، والتي أبرزها هي انعدام الخبرة الميدانية قبل الدراسة، حيث لا يسمح القانون لطالب المرحلة الثانوية بالعمل أثناء الدراسة، وهذه تعتبر أحد المشاكل الكبرى والرئيسية التي يعاني منها العديد من الطلبة، حيث أن انعدام مثل هذه القوانين تجعل أغلبية الطلبة غير ملمّين بشكل كبير بالتخصص الذي يناسبهم، لذلك تجد الكثير من الطلبة يعانون من توجيهات تفتقر للأسس الواقعية، فأحدهم يدرس التخصص الفلاني لأنه يريد الحصول على لقب الدكتور أو المهندس إرضاءً لوالديه أو لشغف نظري سطحي يجعله يصطدم بواقع مهني لا يتوافق مع شخصيته مما ينعكس سلبا على مستوى العمل أثناء مزاولة المهنة، كما أن عدم إعطاء طالب الثانوية الحق للعمل أثناء دراسته يحرمه من العديد من المهارات مثل ترتيب أولويات الحياة، إدارة الوقت وإدارة الموارد المالية، وهذه بلا شك من الأساسيات التي يحتاجها الطالب في مرحلته لما بعد الثانوية، لاسيما إن كان يسعى للدراسة في الخارج

هذه المشكلة لا أعتقد أنها مقتصرة على تخصص الصيدلة، فعندما تحدّثت بهذا الموضوع مع أحد الأصدقاء وهو مهندّس، قال لي أنه لاحظ شيء مماثل عندما كان يدرس الهندسة في الخارج

ثانيا: التوتّر وهذا من الأمور الملحوظة بشكل عام، يرى الطالب الأوروبي أن التّوتّر أمر طبيعي والتعبير عن توتّره أحد حقوقه لتبيان موقفه أمام من يقابله من أشخاص وما يواجهه من اختبارات، بينما تكمن الصورة النمطية للتوتر عند الطالب العربي أنه صفة ضعف، و أنه يجب ألّا يعبّر عن توتّره، مما يجعله في صراع ذهني عميق لإخفاء التوتّر الظاهر بالإضافة لمواجهة المسؤولية في إتمام الاختبار أو المقابلة
أرى أن أساس المشكلة هنا ليست الطالب، ولكن النظام التعليمي في دولنا والذي لا يعطي اهتمام كبير للتّوتّر، بل قد يصنّف المتوتّر بمثابة الشخص المشبوه إما بضعف شخصية أو ضعف موقف، في حين أن النظام التعليمي الأوروبي يكفل للطالب أن يعبّر عن توتّره لأنه يؤهل المعلم -بكل المراحل التعليمية- ليتعامل مع توتّر الطالب بالطريقة الصحيحة، فيرى الطالب الأوروبي أن توضيح توتّره جزء مهم من عملية مواجهة المشكلة للتغلب على التوتّر، في حين أن الطالب العربي يرى أن توتّره أمر قد يودي به لمشكلة أكبر

أتمنى أن هذه الأمور التربويّة تكن من ضمن اهتمامات المرحلة المقبلة على مستوى قرارات الدولة، ليحق لطالب المرحلة الثانوية العمل وفق قانون يكفل حقوقه العملية والعلمية، ويكون هناك توجه واضح في النظام التربوي لتشخيص حالات التوتّر بالتعاون مع الصحة، ووضع خطط تربويّة -وطبيّة- إن أمكن لأخذ هذه الأمور النفسية وكيفية إدراكها والتعامل معها بالطريقة الأمثل