وفق تقارير مركز الأمراض والوقاية العالمي CDC، ففي كل يوم هناك 300 حالة تسمم أطفال في الولايات المتحدة، يتوفى منها طفلين نتيجة تسمم دوائي، غذائي أو كيميائي. دراسة نشرت في 2010 بيّنت أن حالات تسمم الأطفال في الكويت تقارب 2 بالمئة من إجـمالي حالات دخول الأطفال للمسـتشـفى سنويا، غالبية الحالات 93 بالمئة نتيجة استخدام المسكنات لأطفال دون الخمسة، تلك الحالات شكلت 35-50 بالمئة من جميع حالات التسمم في الكويت وفق احصائيات وزارة الصحة من العام 2000-2005 وهي نسبة ضخمة.
نصت الدراسات المختلفة وهي ممتدة من الثمانينيات حتى 2006 على 4 توصيات، منها زيادة الوعي تجاه منع حوادث التسمم، واستخدام العلب التي صممت لمنع الأطفال من فتحها، إضافة لعدم الحاجة لإدخال الطفل للمستشفى طالما أنه من الممكن علاجه في قسم الطوارئ، بينما كانت التوصية الرابعة، هي المفصل وهو أنه يجب إنشاء مركز معلومات فعلي لعلاج التسمم في الكويت.
حتى يومنا هذا لا يوجد مركز معلومات فعلي لعلاج التسمم وهو يعتبر في الدول المتقدمة أحد أبرز الحلول للسيطرة على حالات التسمم بشتى أنواعها ففي الولايات المتحدة مثلا يوجد ما يقارب 55 مركزا لعلاج التسمم، في الإمارات العربية المتحدة وتحديدا في أبوظبي يوجد مركز معلومات التسمم والدواء وقد تم افتتاحه في العام 2005، في الوقت الذي تم اغلاق مركز معلومات التسمم الذي كان متواجدا في المستشفى الأميري!!
تقوم هذه المراكز على أشخاص من ذوي مؤهلات طبية كالأطباء والصيادلة، وقد تم تأهيلهم لاستقبال استفسارات تتعلق بحالات التسمم، الاستفسارات قد تكون من عامة الناس أو من العاملين في القطاع الصحي، حيث يقوم الشخص بإعطاء معلومات عن الحالة عبر الهاتف للمركز ويقوم المركز باستكشاف نوع التسمم وعليه اختيار الحل المناسب لعلاج تلك الحالة. في الولايات المتحدة ما لايقل عن 70 بالمئة من حالات التسمم يتم تداركها وحلها من خلال الاتصال المجاني في تلك المراكز، ويتم معالجة تلك الحالات من دون الحاجة للجوء للمستشفى وهو يوفر ما لا يقل عن 18 مليون دولار سنويا لكل منطقة يتم تغطيتها، وذلك من خلال عدم الحاجة للذهاب للمستشفى ودفع الرسوم المتعلقة بتكاليف العلاج.
تسوء علاجات التسمم في الكويت لاسيما في غياب تعليمات محلية ثابتة لتوفير مضادات التسمم، لذلك فإن بعض المستشفيات تفتقر لوجود العديد من مضادات التسمم كمضاد تسمم الرصاصSodium Calcium Edetate وفق دراسة تم نشرها عام 2014، وما يجعل الوضع يزداد سوءاً هناك فقـط 3 مستشفيات بينها اتفاقية لتبادل ومشاركة مضادات التسمم، حيث إنه لو كان في إحدى هذه المستشفيات نقص يتم تعويضه من المسـتـشـفى الآخر، بل والأدهى من ذلك أنه لا يوجد في الكويت صيدلاني طوارئ متخصص، إضافة إلى أن جميع المستشفيات لا تقوم بعمل تحليل لمعرفة مخاطر قلة الفاعلية أو ما يسمى Hazard Vulnerability Analysis، وهو تحليل ميداني يجب عمله سنويا من قبل المسـتشفيات لتحليل المخاطر التي قد تؤثر في فاعلية المستشفى من القيام بمهامه الطبية لتلبية احتياجات المرضى، كذلك لا يوجد احصائيات رقمية فعلية لكمية مضادات التسمم، كذلك وجدت الدراسة أن علاجات التسمم في الكويت لا تتبع أي خطة موحدة، حيث بين الاستبيان عدم وضوح وثبات الجرعة وتركيبة الدواء المستخدمة، “وفق دراسة نشرت في مجلة الرعاية الصيدلاني والأنظمة الصحية عام2014”!
شخصيا وفي العام الماضي كنت في مؤتمر اتحاد الدوائيين البريطاني في العاصمة لندن والذي كان قد تضمن محاضرة للبرفسور نك بيتمان، من جامعة ادنبره، وكان من ضمن الاحصائيات المعروضة أنه في بريطانيا وتحديدا في العام 2013 بلغ عدد حالات تسمم الباراسيتمول “المعروف تجاريا بندول” بلغ 45 ألف حالة، وهو مساو لعدد حالات الطوارئ المسجلة لجلطات القلب! وقد تم عرض تطبيق TOXBASE للهواتف الذكية، والذي تم اصداره من المركز الوطني البريطاني لعلاج السموم، كأحد الحلول السريعة لحالات التسمم والتي قد تخفف من الضغوط على العيادات الخارجية وتخفف من كمية الاتصالات على مراكز التسمم الوطنية!
نتمنى من المسؤولين والقائمين في الدولة وأصحاب القرار من الإسراع في إنشاء مركز وطني للتسمم والذي بلا شك سيقوم بتحسين كفاءة العلاج لتلك الحالات وتوفير فرص وظيفية إضافية، وهو يعكس مدى تطوّر القطاع الصحي والدوائي في الكويت ولتخفيف الضغوط التي نـشاهـدها يوميا في أقسام الطوارئ في المستشفيات، لاسيما في ظل مشاهدة بعض الأطفال بصحبة السائق أو الخادمة في المراكز الصحية والتي يترتب عليها عدم إلمام الخادمة بنصائح الصيدلاني أو الطبيب والتي قد تعرض الطفل لاحتمالية التسمم الدوائي.