منذ ثلاثة أسابيع قامت إدارة تسجيل ومراقبة الأدوية الطبية والنباتية بإصدار قرار سحب مستحضر بانادول الأطفال المنتج من شركة “جي إس كيه” الإنجليزية، معللة بذلك السبب بخطأ في كتابة الجرعة المكتوبة على العلبة من الخارج، وقد قامت الإدارة بسحب المستحضر المذكور من القطاعين الأهلي والخاص بصورة عاجلة، الشاهد من القضية كان أن وزارة الصحة قررت سحب جميع تشغيلات المنتج! قمت بعمل بحث بالتعاون مع الشركة الأم في المملكة المتحدة حول صحة هذا الخبر، ولاسيما أن القرار الصادر من وزارة الصّحة أرجع أن سبب السحب كان بناء على طلب الشركة.
ما زاد من فضولي للتحقيق في الأمر هو قرار سحب كافة التشغيلات، فمن واقع خبرتي في تتبع أخبار الأدوية عالميا، حدوث أخطاء في التصنيع أمر وارد، لذلك تقوم المصانع بإصدار رقم تشغيلة أو ما يسمى Batch number وهو رقم مخصص لكل شحنة يتم إنتاجها، يرافق ذلك الرقم تاريخ الإنتاج، مما يسهل على الشركة تتبع المنتج في الأسواق، لذلك بعد مراسلتي لها قامت الشركة الأم هنا في المملكة المتحدة بمخاطبتي وإعطائي رقم شكوى CASE-03552052 كعادتها، قامت الشركة بالتعامل معي بكل الاحترام والاحترافية، ثم تم تحويلي إلى فرع الشركة في الشرق الأوسط، لينتهي بي المطاف لفرع الشركة في الكويت، لذلك فإن هذا المقال سوف يتضمن معلومات من كافة الجهات التي قامت بالتخاطب معي، حيث يجب التنويه على عدة أشياء:
1 – الشركة المنتجة هي من قامت بالقرار، وطلب سحب المنتج بعدما رصدت هذا الخلل، وقامت وزارة الصحة بإصدار القرار بناء على طلب الشركة.
2 – خلل كتابة الجرعة خطأ مطبعي وليس كيميائيا ولا يشكل خطرا على الأطفال السليمين، بينما يكمن الخطر في حالة ما إذا كان الطفل يعاني من انخفاض في الوزن عن المعدل الطبيعي، أو إذا كان يعاني من مشاكل في الكبد.
3 – الخلل المطبعي ليس في كل التشغيلات، ولكن في التشغيلات الصادرة قبل 8 ديسمبر من العام 2014 التي تحمل تشغيل رقم N229 وما قبل.
4 – عند سؤالي الشركة لأي فترة تعود المنتجات المتأثرة بهذا الخطأ، قالوا إن كافة التشغيلات التي تم إنتاجها قبل 8 ديسمبر تشغيلات متأثرة بهذا الخلل، حتى تلك التي تعود للعام 2012!
5 – التشغيلات والعلب التي تم إنتاجها بعد تاريخ 8 ديسمبر من العام 2014 لا تحمل أي مشاكل.
في كل دول العالم يكون قرار سحب المنتج مرفقا برقم التشغيلة، ما يجعل الجهات المسؤولة تقوم بتتبع المنتج بسهولة، بينما ما حدث في الكويت هو لغط لاسيما بصياغة الخبر، لكن لو عدنا للحقيقة نجد أن الشركة المنتجة مشكورة على أمانتها في العمل، حيث قامت بطلب السحب بعدما قامت بتفحّص هذا الخطأ.
من وجهة نظري، يعود الخطأ الأكبر على إدارة تسجيل ومراقبة الأدوية في وزارة الصحة، لأنها هي الجهة المسؤولة عن الرقابة الدوائية، والتدقيق في هذه الأمور قبل حدوثها، كيف لم يتم رصد هذا الخلل على مدى تلك السنوات! لاسيما أن الخطأ على العلبة الخارجية، وهو على أبسط تقدير يقوم به الشخص الفاحص بقراءة العلبة الخارجية!
الأدوية التي تحمل أخطاء يتم سحبها وإتلافها، ولكن مع الأسف تم تداول الدواء المذكور عبر كل الفترات السابقة دون أن تقوم إدارة الرقابة بالقيام بأقل دور لها، وهو التأكد من سلامة المعلومات على العلبة الخارجية! فالذي حدث هو أن الدواء الذي كان مصيره التلف، تم بيعه وتداوله في الكويت كأنه دواء لا يوجد به أي مشكلة!
حسب دراسة نشرتها وزارة الصحة سابقا أن أغلب نسب تسمم الأطفال من 2000 – 2005 في الكويت تعود لاستخدام المسكنات التي يتضمنها دواء البانادول، لا نستبعد أن تكون بعض تلك الحالات ممن تناولوا الدواء حسب الجرعة الخاطئة!
أعتقد أنه كان من الأولى أن تقوم الإدارة بالاعتذار لتقصيرها في رصد هذا الخطأ على مدى تلك السنوات، بدل أن تصدرها الصحف ووسائل الإعلام!
مع الأسف لا يوجد في الكويت هيئة للغذاء والدواء التي من مهمتها فحص الأدوية، والموافقة على الأدوية التي ستتداول في الكويت، ورصد كافة الأعراض الجانبية، واتصال تلك الهيئة بالهيئة الأم في الولايات المتحدة، ذلك النشاط الدوائي موجود في المملكة العربية السعودية الشقيقة، وهو يساهم في الكثير من تنظيم صرف الأدوية وتسعيرها، ويزيد من قيمة القطاع الصحي في الدولة، ولكن مع الأسف نفتقر لتلك الإدارة في الكويت ونأمل أن يتم إنشاؤها لزيادة الدقة والسلامة الدوائية.