تطالعنا الصحف اليومية بأخبار البلاد، وفي كل أسبوع تظهر أخبار حول ضبط كمية من حبوب الهلوسة مثل ليريكا وترامادول، والتي مع الأسف تضبط وهي في العلبة الدوائية المرخصة، تلك الحبوب وغيرها ليست حبوب هلوسة، ولكنها حبوب تستخدم لأغراض طبية، فمثلا حبوب الليريكا وهي المعروفة علميا بـ Pregabalin تستخدم لتسكين الآلام العصبية، تلك التي يعاني منها مرضى السكري على سبيل المثال (لاسيما في حالات عدم انتظام السكر)، حبوب الترامادول كذلك تستخدم لحالات طبية مثل الآلام المصاحبة للعلاج الكيماوي لمرضى السرطان، نسأل الله لهم ولجميع المرضى الشفاء العاجل.
تستخدم هذه الأدوية للحالات التي تعجز عنها المسكنات الشائعة مثل البروفين، هذه المسكنات تعمل بآلية عمل مختلفة تماما، فهي تقوم بالتأثير على الجهاز العصبي المركزي (المخ ـ الحبل الشوكي) مباشرة، وبالتالي تقوم بتثبيط الشعور بالألم.
حبوب ليريكا أو Pregabalin تعمل أساسا على ايقاف عمل بعض النقلات العصبية الكهربائية المتعلقة بالكالسيوم في الدماغ، وتقوم بشكل غير مباشر بزيادة الناقل العصبي الدماغي GABA، هذه الآلية تجعل الدواء فعالا بشكل ممتاز لعلاج بعض حالات الآلام الطرفية العصبية والتشنج، حيث تقوم بتهدئة الدماغ وتفادي حدوث نوبات الصرع، ولكن على الرغم من فائدته الطبية، بحسب دراسة في العام 2007 في ألمانيا وأخرى في العام 2011 بينت أن هناك علاقة وطيدة بين إدمان المخدرات مع الاستخدام المفرط للدواء المشهور تجاريا باسم ليريكا بعدما تم فحص عينات بول المدمنين، تلك الدراسة كذلك وضحت أن تجار المخدرات مثل الهيروين هم أنفسهم من يروجون لهذه الحبوب كبديل أقل ثمنا، ذلك يجعل هذا الدواء في مرمى سوء الاستخدام والذي تم ضبطه في العديد من الدول منها الولايات المتحدة وتركيا وألمانيا وكذلك هنا في الكويت، ذلك الاستخدام المفرط ثبت حسب دراسات حديثة في مستشفى البيرت اينيشتاين في الولايات المتحدة الأميركية، أنه يسبب كذلك أعراضا مثل الاختلال العقلي ـ النفسي كانفصام الشخصية، بالإضافة إلى اضطراب البصر، كذلك يؤدي الاستخدام المفرط للدواء المعروف تجاريا ليريكا إلى الاختناق نتيجة إيقاف عمل بعض مراكز التنفس الدماغية.
على النحو الآخر دواء Tramadol المشهور تجاريا باسم (ترامال) يقوم بزيادة تركيز الناقل العصبي (سيروتونين ونور ـ ابينيفرين) في الدماغ، تقوم هذه الناقلات العصبية بتثبيط نقل اشارات الألم وبناء عليه إيقاف الشعور بالألم، وارتفاع النواقل العصبية المذكورة يؤدي إلى مخاطر مثل اضطراب في نبض القلب وتشنج عضلة القلب وتوقف التنفس المؤدي للوفاة، بالإضافة إلى الهلوسة والخمول.
دراسات حديثة وجدت مخاطر جديدة مع سوء استخدام Tramadol كالحالة التي رصدت في مستشفى حمد في قطر عام 2010 والتي نتج عنها عدم قدرة المريض على المشي وآلام عضلية بسبب تلف العضلات الطرفية، بالإضافة إلى دراسة أخرى في العام 2009 من شيراز حول ما يقارب 106 حالات تشنج ونوبات صرع لمتعاطي حبوب Tramadol.
هذه الحبوب تعمل بشكل مباشر على الدماغ، ويصاحب استخدامها الشعور بالتخدير مع وجود احتمالية كبيرة لحدوث تعود (وهو المعروف عامة أنه إدمان)، لذلك فإن صرف ووصف هذه الحبوب يحتاج أن يكون تحت رقابة عالية من خلال الطبيب، ثم الصيدلي، ثم جهاز الرقابة الدوائية.
لا يخفى عليك عزيز القارئ ما نشر في الزميلة «القبس» في عددها الصادر بتاريخ 5 يناير من العام 2017 والتي أفادت بأن طبيبا في المستشفى الصدري هنا في الكويت قام بوصف 3000 حبة ترامادول لمرضى وهميين خلال عام واحد فقط، وقد استمر على ذلك منذ العام 2014 حتى تم ضبطه حديثا، ولا يخفى عليك كذلك كمية حبوب الهلوسة التي تضبطها وتصادرها وزارة الداخلية بشكل شبه أسبوعي والتي من ضمنها حبوب ليريكا وترامادول.
في مثل هذه الحالة تلاحظ غياب واضح لدور الصيدلاني فهو لا يقوم بتحديد أو مشاركة رأي في اختيار الدواء، وهذا واقع كون الطبيب هو من قام بوصف 3000 حبة ترامادول لمرضى وهميين! مشكلة الحبوب هذه وغيرها من الأدوية التي يجب أن تتم مراقبتها لا أرى فيها صعوبة لطالما قامت الرقابة الدوائية بدورها في تطوير طرق الرقابة عوضا عن الجرد الدوري الذي يعتبر مليئا بالثغرات التي ينتج عنها الكثير من تهريب الأدوية أو وصفها لأشخاص وهميين مثل التي ذكرناها في هذا المقال أو غيرها ممن ذكرناها في المقال السابق حول هرمون النمو وغيره من الهرمونات.
لماذا لا تستحدث وزارة الصحة العمل بالنظام الالكتروني الذي يعمل بمسح الباركود الموجود على علبة الدواء، بحيث عندما يقوم الشخص بتوصيل الدواء من المستودعات الطبية، يقوم بعمل مسح على الباركود يحدد فيه اسم المركز الصحي الذي تم إنزال وتسليم ذلك الدواء له، وبناء عليه، عندما يتم صرف ووصف الدواء من المركز الصحي يتم كذلك ربط اسم الشخص باسم الطبيب واسم الصيدلاني مع الباركود (في السيستم الداخلي للمركز)، هذا بدوره يسهل تعقب مصدر تلك الحبوب التي يتم ضبطها من قبل القائمين على وزارة الداخلية، بحيث تقوم وزارة الداخلية بالتعاون مع وزارة الصحة بعمل مسح الكتروني على الباركود للعلب التي تصادرها، وبالتالي معرفة من أي مركز تم استخراجها، وتحت اشراف أي طبيب وأي صيدلاني ولأي مريض، لاسيما أن هناك الكثير من الحالات التي تم رصدها عالميا لمرضى يستخدمون الحبوب لعلاج حالتهم الصحية ويقومون بطلب المزيد منها تحت ذريعة أنهم فقدوا الحبوب ليقوموا بالمتاجرة بها!
نسأل الله العلي القدير أن يحفظكم وأبناءكم وبناتكم من خطر تلك السموم وغيرها، والشكر موصول كذلك للقائمين على وزارة الداخلية لمجهودهم المميز والملحوظ في ضبط هذه الحالات والتي أتمنى أن يتم إرسال الأشخاص المضبوطين إلى مصحات لعلاج الإدمان ليتسنى لهم بناء حياة جديدة.