تتميز دول الشرق الأوسط بارتفاع درجة الحرارة بشكل عال جدا في الصيف، وانخفاض درجة الحرارة إلى ما دون الصفر شتاء، وكما وصف الفيلسوف ابن خلدون منطقة الشرق الأوسط بأنها تقع بين الإقليم الثالث والخامس والذي يعتبر معتدلا في تعاقب الليل والنهار، وعلى الرغم من توافر أشعة الشمس بوفرة في منطقة الشرق الأوسط عموما، إلا أنه وحسب إحصائيات ودراسات ميدانية أجريت في مصر وتركيا فإن هذه المنطقة تعاني من أكبر نسبة في مرض الكساح عند الأطفال (وهن العظم الناتج من فقر فيتامين د أو الكالسيوم)، وهنا في الكويت أجريت دراسة ميدانية في فترات الولادة، والتي بينت أن ما يقارب 40% من النساء الحوامل و60% من الأطفال حديثي الولادة يعانون من فقر في فيتامين د، هذه النسبة كانت مقاربة للكثير مع نساء وحديثي الولادة في المنطقة في المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة وجمهورية إيران.
تتكون أشعة الشمس مبدئيا من 3 أنواع من الأشعة الفوق بنفسجية، وهي:
1 – الأشعة فوق البنفسجية أ: وهي ذات الطول الموجي العالي، وتكون متوافرة بكثرة وقت الشروق والغروب، ولها نشاط فعال في مكافحة الفطريات والبكتيريا، ويعتبر التعرض لها بشكل عال أحد أسباب حرق الجلد وحدوث سرطان الجلد.
2 – الأشعة فوق البنفسجية ب: وهي ذات الطول الموجي المتوسط، وتكون متوافرة بكثرة فترة الذروة الضحى – الظهيرة عند تعامد أشعة الشمس مع الأرض، ولها فائدة عظيمة في تحفيز الجلد لصنع فيتامين د، وهي تعتبر أفضل مصدر لفيتامين د، وتوصي التعليمات بأن يكون التعرض لتلك الأشعة لفترة 10-25 دقيقة يوميا بحيث تزيد الفترة كلما كان الجلد داكنا بشكل أكثر، ولكن تحذر كذلك التعليمات من أن هذه الأشعة كذلك تسبب حرقا في الجلد لاسيما أثناء التعرض لفترات أطول من الموصى بها، والتي قد تكون أحد أسباب سرطان الجلد.
3 – الأشعة فوق البنفسجية ج: وهي ذات الطول الموجي القصير، وغالبا لا تصل لسطح الأرض حيث انها تنكسر في طبقات الغلاف الجوي عائدة للسماء.
لعلك عزيزي القارئ تتساءل عن سبب انخفاض مستوى فيتامين د في آخر فحص قمت بإجرائه على الرغم من تعرضك للشمس بشكل كاف لاسيما أثناء قيادتك للمركبة في طريقك إلى المنزل عائدا من العمل- المدرسة، ولكن لا يخفى عليك أنك تجلس خلف زجاج عازل للأشعة فوق البنفسجية، والذي أثبت بدراسة ألمانية عام 2003 وأخرى أسترالية أن زجاج السيارات والنوافذ يقوم بعزل تام للأشعة فوق البنفسجية ب، وبناء عليه عدم تحقيق الفائدة المرجوة لإنتاج فيتامين د!
ليس هذا فحسب، بل تشاهد كذلك الاستخدام المفرط لكريمات الوقاية من أشعة الشمس، والتي تستخدمها الفتيات غالبا للوقاية من الأشعة فوق البنفسجية لتحقيق نضارة أفضل، حيث يقمن بتركيز غير صحيح على معامل العزل SPF والذي يعتبر معامل العزل للأشعة فوق البنفسجية ب بشكل رئيسي، وأثبتت الدراسات أن استخدام كريمات وقاية الشمس ذات المعامل 15 يقوم بعزل أكثر من 99% من الأشعة فوق البنفسجية ب، وبالتالي يقوم بخفض قابلية الجلد لإنتاج فيتامين د بشكل كبير. ولعل نصيحتي للفتيات هنا بأن يقمن بالتركيز على المعامل الآخر وهو المقدر بالنجوم، وهي تبين مدى قابلية كريم وقاية الشمس لعزل الأشعة فوق البنفسجية أ (الضارة نوعا ما). ولعل هذا أحد الأسباب التي جعلت جنس الأنثى أكثر عرضة لفقر فيتامين د نتيجة لاستخدامهن المفرط لكريمات الوقاية، بالإضافة إلى عوامل أخرى كالحمل والرضاعة. فحسب دراسة أجريت في مستشفى الفروانية في العام 1989، رصدت أن 63% من عينة الأطفال الرضع كانوا يعانون من الكساح، والدراسة أرجأت ذلك لأن الأطفال الرضع يتم تمهيدهم ووضعهم في البيوت في معزل عن التعرض المباشر لضوء الشمس (الزجاج العازل لنفوذ الأشعة فوق البنفسجية ب)!
ويعتبر الشتاء كذلك سببا رئيسيا آخر في انخفاض فيتامين د في الجسم، يعود ذلك لقصر النهار، وقصر فترة الذروة التي تنشط بها الأشعة فوق البنفسجية ب، وكذلك بسبب قلة تعامد أشعة الشمس مع سطح الأرض وبالتالي انخفاض نفوذ الأشعة فوق البنفسجية ب، نتيجة ارتفاع زاوية التقاء أشعة الشمس مع سطح الأرض، وهذا بدوره يجعل الجسم يستخدم مخزون فيتامين د الذي انتجه في فترة الصيف لتعويض النقص في كفاءة تصنيع فيتامين د، فيكون الشخص أكثر عرضة للمشاكل المصاحبة لانخفاض فيتامين د، لاسيما إن كان يعاني من فقر في فيتامين د منذ الصيف.
وأوجدت الدراسات الحديثة أن فيتامين د له علاقة وثيقة مع أمراض عديدة، حيث ان هناك علاقة وثيقة بين سهولة كسر العظام نتيجة نقص فيتامين د بالإضافة إلى المخاطر على القلب والجهاز الدوري لاسيما مع وجود علاقة وثيقة بين اضطراب ضعط الدم المزمن وفقر فيتامين د، والذي بدوره قد يضاعف المخاطر الصحية المصاحبة لضغط الدم.
دراسة أخرى أجريت في العام 1986 على ما يقارب 40 ألف امرأة وجدت ان هناك علاقة وثيقة بين ارتفاع فيتامين د وانخفاض احتمالية الإصابة بالأمراض المناعية مثل التهاب المفاصل المناعي (الروماتيزم)، هذا بالإضافة إلى وجود علاقة وثيقة بين تحسن فيتامين د مع انخفاض احتمالية الإصابة بمرض التصلب اللوحي (MS) والسكري النوع الأول.
وأجريت دراسة أخرى في كوستاريكا فوجدت أن انخفاض مستوى فيتامين د في الدم له علاقة وثيقة مع شدة حالات الربو عند الأطفال، تلك الدراسة كانت متوافقة مع دراسة أخرى أجريت في الولايات المتحدة حيث بينت أن انخفاض مستوى فيتامين د عند الأطفال والبالغين كان سببا في حاجتهم الماسة لمثبطات المناعة (مشتقات الكورتيزون) للسيطرة على شدة الربو، وبالتالي زيادة تعرضهم لمخاطر المضاعفات الجانبية لمشتقات الكورتيزون عند الأطفال.
لذلك فنصيحتي لك عزيزي القارئ هي التعرض المباشر لأشعة الشمس في وقت الذروة (الضحى – الظهيرة) بفترة تتراوح بين 10 و25 دقيقة، وبإمكانك أن تتعرض لتلك الأشعة بسهولة أثناء وجودك في العمل في فترة الراحة عن طريق الخروج والمشي في الخارج، أو الذهاب لصلاة الظهر في المسجد سيرا على الأقدام، بالإضافة إلى الحاجة لتناول حبوب الفيتامينات المكملة لاسيما لكبار السن، مرضى الجهاز الهضمي، ذوي الأمراض الجلدية كالبهاق والبرص، النساء الحوامل، من يعيشون في دول يكون فيها النهار قصير جدا مثل الدول الإسكندنافية.