نسمع بيــن الحيـن والآخـر وفي كثـير من وسائل الدعاية والإعلان عن المستحضرات الطبيعية، وعن أهمية تلك المستحضرات بمختلف أشكالها للحفاظ على الصحة وبأضرار أقل، هناك قول دارج بين عامة النـاس وهو «الأعشاب الطبيعية إن لم تنفع فلن تضر»، هذه المقالة ستكون بداية لسلسلة مقالات سنــتناول من خـلالها موضـوع الأعشاب، وسوف نركّز على حقيقة المقولة الدارجة والشائعة التي ذكرتها للتو.
أول الأعشاب التي سنتناولها هو الثوم، الذي يعود استخدامه لأكثر من 2000 عام قبل الميلاد، حيث تم ذكر الثوم من ضمن المنحوتات الفخارية التابعة للحضارة السومرية، المصريون القدماء كانوا يستخدمونه لتحسين كفاءة القوى العاملة، والأغريقيون استخدموه كمنشّط للرياضيين مع بدء الألعـاب الأولمبية، في الطب الصيني يستخدم لحل مشاكل الجهاز الهضمي مثل الإسهال ولطرد الديدان ولتحسين التنفس ممن يعانون من الربو، في أيامنا هذه الكثـير منّا يرى مَـن حوله من كبار السن يتناولون الثوم صباحاً، بغــرض أنه مفيــد للــدم ولمنع إحداث التجلطــات، وهذا الشيء صحيح ومثبت علميا، ولكــن يجهل الكثــير منّا المــشاكل التـي قد تحدث نتيجة استخدام هذه «العشبة الطبيعية».
ففي دراسة ميدانية نشرت عام 1994 بينت أن تناول الثوم لفترة 3 أشهر يقلل من فاعلية الباراسيتامول (أو المعروف تجاريا بالبانادول)، ما قد يجعل الشخص يحتاج لجرعة أكبر من ذلك الدواء للوصول إلى المفعول المطلوب!
دراسة أخرى عام 1991 بينت أن الثوم بقدرته على تسييل الدم، يتعارض مع الأدوية التي تعمل لنفس الهدف مثل الوارفارين والأسبرين، ما يجعل المريض في خطر آخر يترتّب عليه النزيف الذي قد يتطوّر في حالات يصل إلى سكتة قلبية ناتجة عن انخفاض مفاجئ في مستوى الدم من جراء ذلك النزيف! بل إن بعض الدراسات ثبتت أن تناول الثوم بحد ذاته يضفي خطر النزيف!
دراستان أخريان نشرتا عامي 1980 و1987 بينتا قدرة الثوم على تخفيض السكر، ما يجعل مريض السكر الذي يتناول أدوية السكر عرضة لخطر هبوط حاد في السكر نتيجة ذلك التعارض العشبي-الدوائي.
نضيف لما سبق ذكره من تعارضات قدرة الثوم كذلك على تقليل كفاءة بعض الأدوية المضادة للفيروسات مثل Ritonavir وSaqenavir تلك الأدوية التي تستخدم لعلاجات التهابات فيروسية حادة مثل مرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز)، مما قد يترتب عليه فشل العلاج نظرا لضعف أداء الدواء!
تكمن فاعلية الثوم ضد التجلطات في مادة الألّيسين، وتكمن مشكلة الثوم الموجود في الأسواق كأغلبية النباتات، المشكلة هي قياسية الجرعة، فعلى سبيل المثال جرعة الأسبرين 81 ميللي جرام يوميا وهي جرعة قياسية، ومن المؤكد أنها موجودة في الحبة، ولكن كيف لنا أن نضمن كم تحتوي الحبة
الواحدة من الثوم الموجود في الجمعيات والأسواق من مادة الأليسين! لاسيما أن النباتات تتميز بتفاوت أنتاجها لمحتوياتها باختلاف الفصول خلال السنة، وكذلك باختلاف طرق النقل والتخزين!
لذلك فإن تناول حبة من الثوم المستورد من الدولة (أ) قد لا يكون مساويا للثوم المستورد من الدولة (ب)، وتناول الثوم في الشتاء ليس بالضرورة أن يكون بنفس الفائدة للصيف!
ولكن، هناك حلول علمية للنباتات الطبية، وهي أن تتم معالجة جينات النبتة مثل الثوم حتى تقوم بإنتاج المادة المطلوبة (الأليسين مثلا) بشكل ثابت، ولكن تكلفة تلك التعديلات الجينية قد تكون غير مجدية مقارنة برخص ثمن علبة الأسبرين! لذلك لا تقوم الشركات البايولوجية بمشروع ضخم ومكلف كهذا!
وعليه فالنصيحة التي أود توجيهها هي عدم الاعتماد على تناول الأعشاب كونها «طبيعية، وإذا ما نفعت ماراح تضر»، لأن هذا القول الشائع ليس صحيحا، لما تحتويه تلك النباتات على مواد كيميائية تجعلها عرضة للتعارض مع أي دواء آخر، حالها كحال أي دواء كيميائي آخر.
في ختام مقالتي هذه، وهي مقالة من سلسلة مقالات سوف نوضّح بها التعارض العشبي-الدوائي، أسأل الله العلي القدير أن يغفر للدكتور الهادي نور الدائم محمود الأستاذ في علم الأعشاب الطبية بكلية الصيدلة والعلوم الصحية في جامعة عجمان، حيث كنت طالباً عنده أثناء دراستي للصيدلة وقد وافته المنية قبل بضعة أسابيع.