في العام 1928 كان العالم الأسكتلندي ألكساندر فلمنج يجري بعض التجارب المخبرية لنمو بكتيريا في أطباق مخبرية لزراعة البكتيريا التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي العلوي، وفور إنتهائه من تجاربه التي لم تكن على ما لا يرام، ترك ألكساندر فليمنج الأطباق المخبرية محبطا وذهب في إجازة، وفور عودته من إجازته لاحظ أن تلك الأطباق قد نما عليها فطر العفن الذي قام بحماية نفسه من نمو البكتيريا في أطباق مزرعة البكتيريا، استخلص العالم الأسكتلندي المواد التي كانت تحيط فطر العفن، وأطلق عليها مادة البنسلين، حتى أصبح الدواء متاحا للاستخدام في أربعينيات القرن الماضي.
حسب منظمة الصحة العالمية، فإن مقاومة المضادات الحيوية هي ظاهرة طبيعية تحدث نتيجة استخدام المضادات الحيوية عبر فترة زمنية طويلة، ينتج عنها طفرات جينية في البكتيريا لحمايتها من المضادات الحيوية، ينتج عنها عدم قدرة المضاد الحيوي على التمكن من البكتيريا، ومن أبرز العوامل التي تساعد في تسريع تلك العملية هو الاستخدام المفرط والخاطئ للمضادات الحيوية.
لعل أبرز المظاهر الشائعة والدارجة في الاستخدام الخاطئ للمضادات الحيوية ما تشاهدونه بشكل ملحوظ في المراكز الصحية خلال هذه الأيام، فمع التغيير المناخي تكثر حالات الرشح وتنشط بعض الفيروسات التي ينتج عنها الحمى، الزكام والانفلونزا الموسمية، ولعل أبرز الأخطاء الشائعة والتي بنفسي قد شهدتها في المراكز الصحية هو قيام الطبيب بوصف مضاد حيوي لعلاج تلك الحالات! تمعن عزيزي القارئ في خطورة ذلك الخطأ، فالمسبب الرئيسي للانفلونزا الموسمية هو فيروس وليس بكتيريا، لذلك فعند أخذك لمضاد حيوي «مضاد للبكتيريا» فهذا لا يعني أن هناك فاعلية ملحوظة للدواء ضد الحالة، ولكن قد تسمع وسمعت شخصيا من الناس أنهم قد تناولوا المضاد الحيوي وتشافوا! ببساطة الحالة هي عبارة عن توافق زمني، إن قلت لك إن فترة إصابتك بالالتهاب الفيروسي للانفلونزا مثلا تكون من 5-7 أيام «إن لم تكن مطعما»، تمر فترة المرض بثلاث مراحل هي دخول الفيروس، تكاثر الفيروس وردة فعل الجسم، تلاشي الفيروس، ولعل تكاثر الفيروس وردة فعل الجسم تكون في أوجها في اليوم الـ 2، يليها في اليوم الآخر «الثالث- الرابع من دخول الفيروس» ظهور الأعراض التي تستدعي ذهابك للمركز الصحي نتيجة شعورك بارتفاع حرارة الجسم، الكحة وبعض آلام الجسم المتفرقة، يتم وصف المضاد الحيوي «مضاد البكتيريا» وفي نفس الوقت يكون جهاز المناعة لديك قد أعد العدة للتخلص من الفيروس، لذلك يكون ذلك التوافق الزمني بحيث إنك تتناول المضاد الحيوي في نفس الفترة التي يقوم جسمك بمحاربة الفيروس وفق الأجسام المناعية المضادة، ثم يتلاشي المرض بفعل نشاط جهازك المناعي، فتظن أنك قد تحسنت نتيجة المضاد الحيوي!
هذه الممارسة الخاطئة لوصف وصرف المضاد الحيوي تنجم عنها أعراض جانبية عديدة دون تحقيق الفائدة المرجوة من الدواء، احد الأعراض الجانبية هو موت البكتيريا المسالمة في الجهاز الهضمي والتي تقوم بإنتاج بعض الفيتامينات «مثل فيتامينات ب وفيتامين ك»، والذي ثبت علميا أن اضطراب تلك البكتيريا لاسيما في الأطفال يعتبر عاملا محفزا للسمنة، الربو واضطرابات القولون، كذلك تقوم البكتيريا المسالمة بعمل طبقة حامية للجهاز الهضمي وتعمل على تثبيط البكتيريا الضارة الموجودة في فضلات الإنسان «أجلكم الله» من أن تحارب الجهاز الهضمي وجسم الإنسان، ولكن عند استخدام المضادات الحيوية بشكل خاطئ يتسبب ذلك في موت البكتيريا المسالمة ويصاحبه بعض التطور الجيني لبعض البكتيريا الضارة الموجودة في فضلات الإنسان «أجلكم الله» لتصبح مقاومة للمضادات الحيوية، وبناء عليه قد ينتج عنه تعرضك لوعكة صحية يصعب علاجها بسبب مقاومة البكتيريا الضارة للمضادات الحيوية.
مثل هذه الحالات رصدت في الكويت حسب دراسة نشرت من جامعة هارفارد وجامعة الكويت وجامعة تافتس في الولايات المتحدة والتي قارنت مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية في كل من الولايات المتحدة الأميركية، الصين والكويت! تلك الدراسة بينت خطورة الوضع في الكويت وكيف أن ظاهرة البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية تشكل نسبة أكبر في الكويت من الولايات المتحدة الأميركية، وأن البكتيريا السهلة العلاج بالمضادات الحيوية أصبحت مقاومة للمضادات الحيوية البنسلينية، وعزت الدراسة تلك المقاومة إلى سوء استخدام المضادات الحيوية.
نتمنى من القائمين على وزارة الصحة أن يشددوا الرقابة على الصيدليات الخاصة لتفادي الصرف العشوائي للمضادات الحيوية دون وصفات طبية، وأن يقننوا استخدام المضادات الحيوية في حالات الالتهابات الفيروسية الموسمية التي تكثر في هذه الأيام، وإن كان ولا بد من استخدام المضاد الحيوي، فنأمل كذلك وصف مكملات البروبايوتيك والبريبايوتيك التي تقوم بتحفيز نمو البكتيريا المسالمة وإعادة توازن بكتيريا الجهاز الهضمي لتفادي بعض الأعراض الجانبية الهضمية المتعلقة باستخدام المضادات الحيوية، كذلك أتمنى من الاخوة والأخوات عدم الإلحاح على الاخوة العاملين في المراكز الصحية بصرف مضادات حيوية لهم مثل تلك الأم التي قد سمعتها تتشاجر مع الطبيب «عطني مضاد حيوي، أعرف ولدي يطيب إذا عطيناه مضاد»!
ختامي في هذه المقالة لتنبيه من مكتشف البنسلين السيد الكساندر فلمنج في العام 1946 بعدما تم استخدام البنسلين لعلاج الناس:
«الناس سوف يطلبون المضاد الحيوي، سنصل إلى عصر فرط استخدام المضادات الحيوية وستقوم البكتيريا بمقاومة المضاد الحيوي وتنتقل من شخص إلى آخر، حتى تصل للشخص الذي تتمكن منه وتسبب له تسمما بكتيريا أو سلا رئويا مقاوما للمضاد الحيوي، وبالتالي تسبب له الوفاة، أصف هذا السيناريو بأن شخصا لم يكن يفكر جيدا وقام باللهو في وصف وصرف المضاد الحيوي، قد تسبب في وفاة شخص آخر، آمل أن يتم تدارك هذا الشر القادم».
نتمنى لكم دوام الصحة والعافية.
Link to articlehttp://www.alanba.com.kw/kottab/yusif-ahmad-shamsalddin/703665/04-12-2016-خذ-لك-حبة-مضاد