في العام 1956 قام العالمان لي وبابكوف في كاليفورنيا باستخلاص هرمون النمو «الجروث» البشري، ذلك الهرمون الذي يفرز طبيعيا من الغدة النخامية التي تقع في قاع المخ بناء على إشارات عصبية من الدماغ، ليقوم بعدة وظائف مهمة من بينها وأهمها تحفيز نمو الجسم، ولكن مع تقدم العمر وبلوغ العشرين عاما ينخفض إفراز هرمون النمو بمعدل 14% لكل 10 سنوات.
(قبل استرسالك ـ مشكورا ـ بقراءة المقال أود توضيح أن هرمون النمو هو ذاته هرمون الجروث ولكن في المقال سنطلق مصطلح هرمون النمو على ما ينتجه الجسم داخليا، ومصطلح الجروث على ما يتم حقنه في الجسم).
تستخدم حقن الجروث طبيا لحالات محددة مثل فقر هرمون النمو الوراثي، بالإضافة إلى مرضى «نقص المناعة المكتسبة» (الإيدز) الذين يعانون من التلف العضلي حيث يقوم هرمون الجروث بإيقاف عملية التلف العضلي، ولكن كغيره من الأدوية الأخرى، تستخدم حقن الجروث بشكل غير مرخص للمحافل الرياضية، فحسب الدراسات التقديرية فإن تجارة حقن الجروث تقدر بما يقارب 2 مليار دولار سنويا في الولايات المتحدة، هنا في الكويت، كباقي دول المنطقة مع الأسف الشديد يكثر استخدام حقن الجروث بين مرتادي النوادي الصحية لغرض بناء العضلات وتقليل دهون الجسم.
حسب دراستين أجريتا في واشنطن في مطلع التسعينيات، بينتا أن استخدام حقن الجروث لفترات زمنية من 4 إلى 12 أسبوعا يؤدي إلى ازدياد ملحوظ في كتلة الأنسجة الداخلية (القلب ـ الكبد) ولم يكن هذا الازدياد ملحوظا في الكتلة العضلية ولم يوجد تأثير ملحوظ على الدهون في الجسم، دراسة أخرى في فيينا لم تلاحظ أي تأثير ملحوظ على الدهون ولا بناء العضلات، ودراستان في الدنمارك في العام 2010 بينتا كذلك أن حقن الجروث لم تحسن إنتاج الألياف العضلية، والأخرى في العام 2008 بينت أن حقن الجروث تزيد من تكسير الدهون ولكن تؤدي إلى زيادة الدهون في الدم، هذه الدراسات وغيرها تبين أنه لا يوجد حتى يومنا هذا دليل علمي قاطع على أن حقن الجروث تضفي فائدة ملحوظة لبناء العضلات وتقليل الدهون، ولكن كما صرح اخصائي الغدد الصماء في مستشفى سانت ـ بارثولمو د.جينكينز في العام 2001 «ان بعض رواد الأندية الصحية يحقنون أكثر من هرمون ومن ضمنها هرمونات الستيرويدية مثل هرمون الذكورة (التيستوستيرون) (لايسعنا التطرق له في هذا المقال)، لذلك فإن التأثير في بناء العضلات هو على الأغلب نتيجة استخدام حقن الهرمونات الستيرويدية».
ما المشاكل الرئيسية المترتبة على استخدام هرمون النمو (الجروث)؟
1 ـ السكري ويرجع ذلك لأن حقن الجروث تزيد من مقاومة الجسم للانسولين، تلك الحالات أثبتت في تقارير عديدة منها في فلوريدا والمملكة المتحدة حيث بلغ معدل السكر في الدم أكثر من 60 ميلليمول/ ليتر (1082 ملليغرام/ ديسيليتر) عند محترفي كمال أجسام لم يتجاوز عمرهم 36 عاما.
2 ـ تضخم عضلة القلب وهو ما تم رصده في دراسات عديدة منها في برادفورد العام 2005، تلك المشكلة تعتبر عاملا رئيسيا لإحداث قصور في وظائف القلب الذي قد يؤدي للوفاة، لاسيما أن الكثير لا يتداركون ذلك القصور إلا متأخرا.
3 ـ تتسبب حقن الجروث في تضخم غير عادي للأوعية الدموية، قد ينتج عنه وهن في جدار الوعاء الدموي وبالتالي فتق ونزيف حاد وأحد أشهر أنواع النزيف المصاحب لحقن الجروث هو نزيف الدماغ الذي قد يؤدي إلى الوفاة لوحظ في دراسة حديثة نشرت من فرنسا، هذا بالإضافة إلى المشاكل الصحية الأخرى كذلك والتي منها زيادة الاحتمالية بشكل كبير بالإصابة بالسرطان، الآلام العصبية وآلام المفاصل وتضخم الكبد وقصور في وظائف الكبد.
4 ـ أرجو منك عزيزي القارئ الاهتمام بهذه المشكلة الأخيرة، أود أن أوضح لك عزيزي القارئ أن حقن الجروث المصرح باستخدامها طبيا هي عبارة عن هرمون مهندس جينيا خال من الشوائب الالتهابية والمرضية ولإنتاجه بكميات كبيرة دون استنزاف للموارد البشرية، تلك التقنية جعلت حقن الجروث الطبية باهظة الثمن ولا تنتج أو تباع إلا لأغراض طبية، لذلك يلجأ الكثير من الشباب لاستخدام حقن الجروث البشري أو الحيواني غير المهندس جينيا، مما لا شك فيه أن الهرمون غير مهندس جينيا سواء كان بشريا أو حيوانيا يسبب تفاعلات التهابية مؤدية للسكتة القلبية والوفاة، ولكن المشكلة الأكبر هي احتمالية الإصابة بمرض «بريون»، وهو المرض البشري المكافئ لمرض جنون البقر، وقد تم رصد مثل هذه الحالات بداية في العام 1985 مما أدى لإصدار تعليمات دوائية بمنع تداول وتعاطي حقن الجروث غير المهندس جينيا وضرورة إنتاج حقن الجروث فقط عن طريق تقنية الهندسة الجينية للهرمون، دراسة أخرى حديثة في لندن أجريت على 8 أشخاص بعد وفاتهم وجدت تفشي مرض بريون وكان السبب في ذلك هو استخدامهم لهرمون الجروث البشري غير المهندس جينيا، 4 من بين تلك الحالات وجد فيها كذلك الزهايمر، الذي قد يكون انتقل كذلك مع مرض بريون!
لذلك عزيزي القارئ استخدامك للهرمون البشري أو الحيواني غير المهندس جينيا لا يعني أنك في مأمن من مرض قد يودي بعقلك في فترات لاحقة من عمرك (كون أن مرض بريون يستغرق فترة تصل إلى 20 عاما لظهور أعراضه)، واستخدامك لحقن الجروث المهندس جينيا ليس آمنا من المخاطر المذكورة أعلاه (من 1 الى 3) مثل السكري والسرطان وغيرها.
هل يوجد حبوب هرمون نمو (جروث)؟ الإجابة ببساطة لا! المنتجات التي تباع تحت مسمى حبوب أو بودر الجروث للتناول الفموي، هي ليست هرمون الجروث، ولكن قد تكون محفزة لإفراز هرمون النمو الطبيعي في جسم الشخص، الدراسات في هذا المجال لم تتوصل لاستنتاج قاطع بفاعلية أحد تلك المستحضرات لتحفيز إفراز هرمون النمو طبيعيا، ولكن جميع الدراسات بينت أن إجراء التمارين الرياضية يحفز من إفراز هرمون النمو داخل الجسم، والذي أثبت علميا أنه يفرز بمعية هرمون الذكورة (التستوستيرون) ليقوم كل من الهرمونين بتقوية مفعول الآخر حسب دراسة أجريت في الدنمارك في العام 2001.
في ختام المقالة أتمنى من القائمين على وزارة الصحة بالتعاون مع الإدارات المعنية لرصد دخول هذه الهرمونات وترويجها في الدولة، لاسيما أن الهرمونات لا تقل عن حبوب الهلوسة من حيث التصنيف الدوائي، وتطبيق عقوبة الحبس والغرامة لمن يتاجر بها أو تكون بحوزته، بل وتغليظ العقوبة على من يقوم بتهريب حقن الجروث الطبية من أي مركز صحي، وقد لوحظ في الكويت أن هناك بعض الصيدليات الخاصة تقوم ببيع حقن الجروث دون وصفة طبية! وأن هناك بعض العيادات الخاصة تقوم بعمل تحاليل دورية ووصف حقن الجروث لمرتادي النوادي الصحية وهذا مخالف للقوانين الطبية المتعلقة بوصف حقن الجروث المخصصة لحالات طبية محددة لا تشمل كمال الأجسام وما شابه، ولا يخفى عليك عزيزي القارئ كم الحقن التي تشاهدها في مواقف السيارات بالقرب من العديد من الأندية الرياضية، عوضا عن أن بعض المدربين الرياضيين أصبحوا يتاجرون بها دون مبالاة، وبناء على ذلك استذكر مقولة الكاتب بيتير لاوسون في صحيفة «الغارديان» في العام 1983 عندما قال: «يجب وقف العبث الهرموني في الرياضة، وإلا ستصبح هناك مسابقات عالمية بين ممثلين في السيرك يديرونهم شركات كيميائية عالمية».
حتى ترى حقيقة هذه المقولة، شاهد مسابقات كمال الأجسام وستعرف معناها الحقيقي.