التدخين، ذلك الداء الذي انتشر في أوساط العالم والذي يمارسه ما لا يقل عن31% من البالغين في الشرق الأوسط، لن أتطرق في هذه المقالة إلى أضرار التدخين وتسببه في أمراض القلب والشرايين والسرطان، عافاكم الله من التدخين ومن كل داء وشفى كل مريض، ولكن أود أن آخذكم لطريق أخرى بمفهوم آخر، وهو كيف للتدخين أن يتفاعل مع الأدوية؟ ولماذا من المهم جدا أن توضح لأي شخص في الفريق الطبي أنك شخص مدخن سواء سيجارة عادية أو السيجارة الالكترونية؟
في البداية، أود أن أوضح لك عزيزي القارئ أن الفرق الرئيسي بين نوعي السجائر هو الوسط الحامل للنيكوتين، ففي السيجارة العادية يتم استنشاق النيكوتين محملا بالدخان، بينما في السيجارة الالكترونية يكون ايصال النيكوتين للجسم عن طريق استنتاج البخار الناتج من تسخين انبولة تحتوي على سائل يحتوي على نيكوتين. لذلك فإن الفرق الأساسي هو أن السيجارة العادية تحتوي على ما يقارب 4800 مركب من المحروقات منها ما يقارب 2% نيكوتين مفارنة بالسيجارة الالكترونية التي قد تحتوي على النيكوتين، فهناك بعض الدراسات أوضحت أن بعض العينات لا تحتوي على نيكوتين، بالإضافة إلى مركبات كربونية أخرى، والتي يصل عددها إلى 12 مركبا أو قد يزيد، تلك المحروقات تحتوي على مواد كربونية تتفاعل مع الجسم مسببة الاضرار السابق ذكرها، ولكن هي كذلك تتسبب في اضطراب في الكثير من الأدوية في الجسم.
تقوم المواد الكربونية الناتجة من الاحتراق في السيجارة العادية بتحفيز انزيمات الكبد CYP1A2 وCYP2B6، وتحفيز نشاط هذه الانزيمات ينتج عنه ابطال او تقليل مفعول الكثير من الادوية والتي منها المعروف تجاريا بـ(البندول)، ومضاد التقيؤ (أوندا) ومسيل الدم (وارفارين)، وبالتالي يكون الشخص المدخن عرضة لعدم فاعلية تلك الادوية في جسمه. ليس هذا فحسب، بل ان نشاط الانزيمات نتيجة التدخين يجعل الكبد يتخلص بشكل كبير من الكافيين الموجود في القهوة والشاي وفي أدوية أخرى مثل بندول اكسترا، ذلك المفعول يقوم بإبطال وتأخير سرعة فاعلية بندول اكسترا على سبيل المثال.
كل هذه المضاعفات ليست حصرا على السيجارة العادية، فالسيجارة الالكترونية كذلك تحتوي على بعض المواد الكربونية التي قد تحفز الانزيمات بشكل مماثل، ولكن هناك عنصرا مشتركا بين نوعي السجائر، وهو النيكوتين، تلك المادة التي تعتبر من المواد المسببة للتعود المشابه بالإدمان بقوة لا تقل عن ادمان الهيروين كما صرح اتحاد الجراحين الامريكيين في العام 2010.
النيكوتين هو الآخر قد يتعارض مع فاعلية العديد من الأدوية، فمثلا يقوم النيكوتين بتضييق الشعب الهوائية، وهو بذلك يتعارض ويقلل فاعلية الكثير من الادوية المستشنقة التي تستخدم لعلاج الربو والانسولين المستشنق (المتوافر حديثا)، كذلك يقوم النيكوتين بتضييق الشرايين، ما يقلل من امتصاص الأدوية التي يتم حقنها تحت الجلد مثل حقن الانسولين، ويؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم، وبالتالي عدم فاعلية الكثير من الأدوية التي تنظم ضغط الدم وتحسن كفاءة الدورة الدموية. إضافة إلى هذا، يقوم النيكوتين المتواجد في السجائر الالكترونية والسجائر العادية بارتخاء عضلات الجهاز الهضمي، ما يقلل من حركة الجهاز الهضمي، وعليه فهذا يؤدي إلى تأخر امتصاص الدواء المتناول عن طريق الفم، وبالتالي التقليل من كفاءته.
أتمنى أن أكون قد وفقت بأن أوضح لك مدى تفاعل السيجارة ـ بمكونتها من النيكوتين والمحروقات الكربونية ـ مع الأدوية، لذلك نصيحتي لك عزيزي القارئ بأن توضح للطبيب والصيدلاني إن كنت مدخن السيجارة الالكترونية أو العادية، ليس فقط لكي تسمع الديباجة المتكررة بأن تكف عن التدخين، ولكن كذلك لكي يكون في الحسبان أن تتم إعادة ضبط الجرعات الدوائية لتحقق الفائدة المرجوة دون تأخير أو فشل البرنامج الدوائي.
أتمنى لكم حياة خالية من التدخين ودوام الصحة والعافية.