هَوَس مستحضرات التبييض

يخلق الإنسان بتزاوج الحيوان المنوي – من الأب – والبويضة – من الأم – حيث يحمل كل منهما مقدار 23 كروموسوما ليشكلا معا 46 كروموسوما وهو عدد كروموسومات الخلايا الجسدية (غير الجنسية) التي تشكل الحمض النووي في الإنسان، ذلك الحمض النووي الذي يحتوي على قرابة 30 ألف جين، مسؤول عن إعطاء الإنسان صفاته من مظهر وصحة وغيرها، من ضمن تلك الصفات هو لون البشرة.

ولكن بالإضافة إلى الجينات هناك عوامل فوق – جينية، تلك العوامل التي ببساطة تتفاعل مع الحمض النووي لتترجم المعلومات الجينية إلى ماديات، فمثلا لو أن شخصا ذا بشرة حنطية ذهب إلى بلاد أفريقية مشمسة، سيصبح لونه أغمق مما كان عليه، ذلك التغيير يعود إلى وضعه الطبيعي فور ذهاب العامل المؤثر (الشمس) فور عودة الشخص لوطنه على سبيل المثال.

ولعل ما نشاهده وتتحفنا به ناشطات التواصل الاجتماعي بين الحين والآخر بما يسمى خلطات التبييض يعتبر هوسا غير طبيعي يعكس مدى تعلق الكثير بمثل هذه المستحضرات، ومع الأسف المتاجرة بصحة تلك الفتيات، فتارة تتحفنا إحدى الأخوات ببعض أنواع الصابون التي تزعم أنها تستخدمه وهو سر لون بشرتها الأبيض، ثم تتحفنا أخرى بأنها قامت بطهي الليمون والسباحة في مائه، وأخرى تستخدم خليطا من كريمات ابتكرته بنفسها وأسمته الخلطة السحرية ليحقق بياض ونضارة البشرة.

من هذا المنطلق عزيزتي القارئة وعزيزي القارئ أود أن أوضح لك أن مستحضرات التبييض المتوافرة بالصيدليات، هي مستحضرات تقوم بتفتيح الاسمرار الزائد، ذلك الاسمرار الذي يحدث بشكل دارج بعد جلسات الليزر -على سبيل المثال- والذي ينتج من نشاط بعض الانزيمات لتقوم تلك الكريمات بتثبيط نشاط تلك الانزيمات وتثبيط بعض العوامل الفوق جينية -التي نشطت بفعل جلسات الليزر- أما ما يزعم أنها خلطات أو مستحضرات غسول لتبييض الجسم، فهذه لا تتعدى كونها دعايات لا ترقى لعلم أو منطق، فالحمض النووي الموجود في كل جسم الإنسان يجب أن تحدث فيه طفرة جينية لتجعل الشخص مختلف اللون، أما العوامل الفوق جينية فهي تتأثر بشكل مؤقت -مثلما وضحنا في مثال الشمس- لتعود بعد زوال ذلك العارض ويعود لون البشرة لطبيعته.

دراسات كثيرة بينت مدى تعلق الفتيات بهذا الهوس، منها تم إجراؤها في الخليج العربي بينت أن أكثر من 70% من النساء ممن يستخدمن مستحضرات التبييض يستخدمنها بطريقة خاطئة وبإفراط وأنه فقط 25% يستخدمنه لأغراض طبية مثل بقع الكلف، ومع الأسف تلك الدراسة بينت أن هناك فتيات بعمر الـ 10 سنوات يستخدمن تلك المستحضرات بغرض تبييض بشرتهن.

لعل من أبرز المواد الكيميائية الموجودة في مستحضرات التبييض هو مركب Hydroquinone والذي يستخدم للغرض الطبي الشائع لتفتيح الكلف، ولكن يجب التنويه الى ان عند استخدام كريمات بهذا المستحضر يجب تجنب -او الحماية من- التعرض للأشعة الفوق بنفسجية (المتواجدة في الشمس) لتجنب حدوث حرقان في الجلد، ولعل الإفراط في استخدامه يؤدي إلى ظهور تبقع داكن في الجلد نتيجة تراكم حمض Homogenitisic acid وهو ينتج من تخلص الجسم من مادة Hydroquinone.

ثم أن هناك بعض الكريمات تحتوي على كورتيزون – أو مشتقاته – والذي يقوم بتفتيح البشرة ولكن يصاحب ذلك وهن ضمور في الجلد يصاحبه ظهور التشققات، ولا يخفى عليك أن الكورتيزون يقوم بتثبيط الجهاز المناعي في المناطق المتعرضة له مما يزيد من احتمالية الالتهابات الجلدية في تلك المناطق. وأما المادة الأخرى التي تكثر كذلك في بعض مستحضرات التبييض -لاسيما غير المرخصة- هي مشتقات الزئبق، والذي على الرغم من قدرته لتفتيح لون البشرة إلا أن تراكمه في طبقات الجلد يجعل لون البشرة والأظافر أغمق مما كان عليه سابقا، ذلك العرض الذي تسبب في 10% من إيقاف مستحضرات تفتيح البشرة من بين قرابة 500 امرأة استخدمن مستحضرات التبييض في الخليج.

ما يحزنني في هذا الشأن هو استغلال العامة ممن يتاجرون في مواقع التواصل الاجتماعي لحاجة وهوس النساء وجهلهن بحيثيات تبييض البشرة، أضف إلى ذلك ما نشاهده وما رصدته الدراسات بأن هناك فتيات يقمن بوضع مثل هذه المستحضرات وهن في مقتبل العمر – في سن الـ 10 – ولعل من أبرز ما يراد التنويه إليه في هذا الشأن هو أن الأمهات يجب أن يبدين ثقتهن بأنفسهن ونقل هذه الثقة والعقلية للفتيات – أمهات المستقبل – لتنشئة أجيال تهتم بجوهرها أكثر من زيف مظهرها.

نتمنى لكم دوام الصحة والعافية وأن يشفي الله جميع المرضى.

Link to article